عيد العمال والتنمية المستدامة
عمال البحرين الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠١٤

عيد العمال والتنمية المستدامة

عيد العمال والتنمية المستدامة


احتفل العالم بيوم العمال وأخذ الاحتفال أشكالا مختلفة ساد الطابع الاحتفالي على بعضها، بينما اتسم البعض الآخر بالعنف والشغب كما في تركيا وكمبوديا أو احتجاجات على فرض ضرائب كما في ماليزيا، أو المطالبة بزيادة الرواتب كما في اندونيسيا وتايوان وكوريا وسنغافورة. أما في روسيا فأخذ الاحتفال توجها آخر لكونه الأول منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وأخذ شكل التضامن مع السلطة في القضية الاوكرانية. هذا يظهر ان قضايا العمال لها آثار كبيرة وخطيرة على الأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم وهذا ما يَستلزم الاهتمام بها.
 
في البحرين احتفل العمال بعيدهم في الأول من مايو تحت رعاية جلالة الملك وكان لي شرف الحضور في احتفال بسيط شمل كلمة لوزير العمل وتكريم العمال المتميزين في عدد من الشركات تجاوز عدد المكرمين مائتي عامل في مختلف المجالات. ولكن الملاحظ ان المكرمين من القطاع الإنتاجي لم يتجاوز 30%، وبإضافة الخدمات الصناعية تصبح النسبة 37% فقط. في حين بلغت نسبة المكرمين من موظفي الخدمات الإدارية والمالية 73%. كم كان بودنا ان تكون نسبة العمال في القطاع الإنتاجي أكبر، غير ان ذلك يعكس هيكلة الاقتصاد البحريني الذي يعتمد على الإنشاء والخدمات الإدارية والتجارية والمالية.
 
القطاع الإنتاجي في البحرين سواء كان إنتاجا سلعيا أو معرفيا له أهمية كبيرة في تحقيق عنصر التنمية المستدامة من خلال إيجاد فرص عمل مجزية صالحة لمجتمع متعلم نسبيا، واعتمد على الدولة في توفير العمل ضمن اقتصاد ريعي اتخذت الدولة من التوظيف وسيلة لتوزيع جزء من الريع وليس لزيادة الإنتاج. بالإضافة إلى زيادة التنمية فإن توفير فرص عمل مجزية يدعم الاستقرار والامن المجتمعي، وبالضرورة يؤدي إلى اللحمة الوطنية. لذلك نرى ان وزارة العمل ومجلس التنمية الاقتصادية والحكومة بشكل عام مطالبون بالنظر إلى هذه القضية على انها من متطلبات الامن القومي والسلم الاجتماعي. وعليها مراجعة سياسة التنمية وسياستها العمالية لتصب في هذا التوجه ومن ضمنها قانون العمل.
 
في زيارة سمو ولي العهد لمدينة سلمان الصناعية قبل شهر تقريبا قال سموه إن «الدولة تُعَول على إسهامات القطاع الصناعي في إيجاد فرص عمل والتحول إلى اقتصاد منتج مستدام قادر على المنافسة». وتحدث عن خطة لتأهيل البحرينيين لمختلف الوظائف، واستقطاب الشركات الخليجية والدولية للاستثمار في البحرين. وأشار إلى ان البحرين مقبلة على حزمة من المشاريع التنموية في شتى القطاعات. كما أكد سموه ذلك في اجتماع مجلس التنمية الجديد بعد تشكيله الأخير. والسؤال وبعد مضي أكثر من خمس سنوات على الرؤية الاقتصادية نتساءل ما هو المطلوب لجعل قطاع الإنتاج المحرك الفعلي للاقتصاد والمصدر الرئيس للتوظيف؟ وكم من الوقت نحتاج لتحقيق تطور واضح في هذا المجال؟ هذا سؤال نطرحه ونتمنى الإجابة عنه في الاستراتيجية الجديدة لمجلس التنمية الاقتصادية. كما نطرح السؤال: متى سيكون البحريني مفضلا لدى الشركات ومختلف الجهات التي مازالت تعطي الأولوية للاجنبي؟
في حديث لوزير العمل في شهر يوليو من العام الماضي كشف عن نظام بحرنة جديد «يعتمد البحرنة النوعية وليست العددية». فماذا يعني ذلك للمواطن الباحث عن عمل والذي تخرج من الجامعات والمعاهد والمدارس البحرينية؟ وهل يصنف خريج الجامعة او المعهد على انه عامل نوعي بهذه المؤهلات؟ ومن هو العامل النوعي؟ وكيف يتم تدريبه؟ كما كشف الوزير عن استراتيجية تهدف إلى استيعاب الخريجين وترى انها استطاعت ان تحافظ على مستويات البطالة في وضعها الآمن. ونسأل سعادة الوزير ما ذا يعني ذلك بالنسبة إلى الشباب؟ وخصوصا ان الوزير لم يوضح لماذا تصر الوزارة على عدم إعلان معدلات البطالة بين الشباب؟ أشار الوزير كذلك إلى مشروع تحسين أجور العمالة الوطنية ضمن استراتيجية الوزارة، لكن هل يمكن لاقتصاد يعتمد على الخدمات وعلى العمالة الرخيصة ان يقدم رواتب مجزية تلبي طموح البحريني المقبل على الزواج وفتح بيت؟ بحسب الأمين العام لاتحاد نقابات العمال فإن الحد الأدنى للرواتب يجب ألا يقل عن 600 دينار، فهل يمكن لاقتصادنا الحالي تلبية مثل هذا المطلب؟

مشكلة الرواتب في البحرين تمثل أزمة حقيقية تؤثر على الأمن القومي والسلم الأهلي، فالراتب الذي يقل عن 600 يجعل العائلة البحرينية في صراع مرير مع الحياة، فما بالك إذا كانت شريحة تفوق نصف المجتمع تعيش على اقل من 400 دينار. يجب ان تدرك الوزارة والدولة أن ذلك يدق ناقوس خطر على الأمن الاجتماعي والوطني وألا يُنظَر إلى الأمر على انه مجرد خيارات مستثمرين. فمثلا يقول وكيل وزارة العمل حول نقص الوظائف المناسبة للخريجين الجامعيين «ان سوق العمل هو المسئول وهو يعتمد على خطط المستثمرين»، ويطالب المواطن بالمنافسة على الوظيفة التي ينتجها الاقتصاد». لكنه لم يجب على السؤال المطروح: لماذا الاقتصاد يفرز فرصا لا تناسب البحريني؟ ومن المسئول؟ أليست الهيكلة هي أهم الأسباب؟
 
تدني الرواتب وقلة فرص العمل يمثلان خطرا على الأمن الاجتماعي والاستقرار، ولا شك ان وزارة العمل تقوم بجهد في مجال تدريب الباحثين عن عمل وإعادة تأهيلهم ولكن هذا الجهد ليس كافيا لمعالجة قضية البطالة بين الشباب، وعلاجها ليس بمقدور وزارة العمل ولا ضمن مسئوليتها. من هنا تأتي أهمية قيام الدولة بالاستثمار الصناعي والانتاجي وخصوصا في مجال الإنتاج المعرفي والتصنيع النوعي ولا تعتمد على خيارات المستثمر الأجنبي ولا حتى المحلي فأولوياته تختلف.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13193/article/21043.html