مع اقتراب الذكرى الثالثة عشرة لتأسيس الاتحاد الحُر لنقابات عمال البحرين، تتجه أنظار القواعدالعمالية في مختلف مواقع الإنتاج نحو هذا الكيان النقابي الذي أثبت خلال سنواته الماضية قدرته على تمثيل العمال والدفاع عن حقوقهم بثبات واستقلالية. وبينما يحتفلالاتحاد بهذه المناسبة، لا تقتصر الذكرى على استذكار الماضي، بل تُطرح معها تساؤلات مشروعة حول الحاضر والمستقبل، وأبرزها: ماذا ينتظر عمال البحرين منالاتحاد الحُر في المرحلة المقبلة؟
إن عمال البحرين، وهمالعمود الفقري لعجلة الاقتصاد الوطني، يواجهون اليوم جملة من التحديات المتراكمة،تتراوح بين تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، وتحولات سوق العمل، وارتفاعتكاليف المعيشة، إلى جانب التحديات التقليدية المتعلقة ببيئة العمل، وضماناتالتوظيف، وتكافؤ الفرص. وفي ظل ذلك، يتطلع العمال إلى أن يكون الاتحاد الحر في هذهالمرحلة أقرب إلى قضاياهم اليومية، وأسرع في تحريك ملفاتهم المطلبية، وأكثر تأثيراًفي طاولة الحوار الاجتماعي.
يدرك الاتحاد الحُر،وهو يستعد لإحياء عامه الثالث عشر، أن إنجازاته الماضية لا تكفي وحدها لطمأنهقواعده ما لم تُترجم إلى رؤية متجددة واستعداد فعلي لمواجهة التحديات الآتية. ماينتظره العمال ليس فقط خطاباً يُشيد بما تحقق، بل: خطة عمل واضحة ومعلنة تستجيبلأولويات العامل البحريني في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، ومزيد من الضغطالنقابي المشروع لتحسين مستويات الأجور، وتأمين الضمانات الوظيفية، ومراجعة سياساتالتوظيف المؤقت والتمييز الوظيفي، ومواقف جريئة تجاه القرارات التي تمس معيشةالعامل البحريني، سواء في القطاع العام أو الخاص، وبخاصة ما يتعلق بالتقاعد،والدعم، والعلاوات.
كما ينتظر العمال منالاتحاد الحُر أن يوسّع قاعدة تمثيله النقابي لتشمل مزيداً من القطاعات الحيويةالتي لا تزال بلا مظلة نقابية فعالة، وأن يعمل على تعزيز دور اللجان العمالية فيالمصانع والمؤسسات الكبرى، بما يخلق شبكات ضغط داخلية فاعلة. كما أن التمكينالحقيقي للكوادر العمالية الشابة بات ضرورة لا رفاهية، لضمان استمرار الزخمالنقابي وتجديد أدوات الخطاب والمواجهة، خصوصاً في ظل دخول تكنولوجيا الذكاءالاصطناعي والرقمنة إلى سوق العمل.
أحد أبرز التحديات التييواجهها العامل البحريني هو ضبابية الاستقرار الوظيفي في ظل عقود مؤقتة، وتوظيفممارسات لا تمنحه الأمان المهني والامتيازات الطبيعية، رغم كفاءته وولائه. لذلك،يتطلع العمال إلى أن يقود الاتحاد الحُر جهداً وطنياً متكاملاً مع الشركاء الاجتماعيينوالحكومة، لإعادة الاعتبار للعامل البحريني في سوق العمل، ومواجهة كل أشكالالتهميش والإقصاء، مع الحفاظ على مبدأ الكفاءة والعدالة في التنافس الوظيفي.
كما يراهن العمال علىأن يواصل الاتحاد الحُر تمسكه باستقلاليته النقابية، وهي أبرز ما يميّزه منذالتأسيس، ويحصّن قراراته من التسييس أو التوظيف الخارجي، شرط أن تكون هذهالاستقلالية مدخلاً نحو مزيد من القوة في التأثير والتفاوض. إن المطلوب هو نقابةصلبة في مواقفها، منفتحة في آلياتها، ميدانية في حضورها، صادقة في تمثيلها.
وفي سياق التطلعاتالعمالية، لا يمكن تجاهل صوت المتقاعدين البحرينيين، الذين أمضوا سنوات عمرهم فيخدمة الوطن، وهم اليوم في انتظار إعادة إقرار الزيادة السنوية التي تم إيقافها، ماأثّر بشكل مباشر على قدرتهم المعيشية، خاصة في ظل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليفالخدمات الأساسية.
إن شريحة المتقاعدين،وإن ابتعدت عن مواقع الإنتاج، لم تبتعد عن الحق، وهي اليوم تطالب بحق أصيل طالماتمتعوا به، وتنتظر من الاتحاد الحُر أن يكون صوتهم في هذه المعركة العادلة، وأنيواصل ضغطه المشروع من أجل عودة هذه الزيادة السنوية باعتبارها استحقاقاً اجتماعياًوإنسانياً، لا منّة أو خياراً خاضعاً للتقلبات المالية.
وبقدر ما نجح الاتحادالحُر في التعبير عن قضايا العمال داخل مواقع العمل، فإن نجاحه في إيصال صوتالمتقاعدين واستعادة مكتسباتهم، ما يتطلع إليه جمهور واسع من أبناء هذا الوطن.
في المحصلة، تمثلالذكرى الثالثة عشرة فرصة مهمة لتجديد العهد مع العمال، وإعادة ترتيب الأولويات،وتقديم خطاب أكثر التصاقاً بالهم العمالي الحقيقي. فالعمال لا يطلبون المستحيل، بلينتظرون أن يروا في اتحادهم مرآة لهم، وصوتاً يعبر عنهم، وذراعًا تفاوض عنهم، وأنيجدوا فيه الرفيق والضامن في زمن تتعاظم فيه التحديات.