وزارة العمل... وهل لكم سلطة على القطاع الخاص؟
وزارة العمل... وهل لكم سلطة على القطاع الخاص؟
من أغرب المواقف التي أعلنتها وزارة العمل، ما صرّح به وكيل الوزارة صباح الدوسري، بشأن دعوة العاطلين عن العمل لقبول خيار العمل في القطاع الخاص، عوضاً عن «القطاع العام الذي لا سلطة للوزارة عليه»!التصريح تعلّق بأعضاء «قائمة 1912»، وهي قائمةٌ أعدتها الوزارة قبل سنوات للعاطلين الجامعيين، ووعدتهم في لحظة طربٍ عابرة، بالعمل على توفير وظائف تناسب مؤهلاتهم الجامعية. وبعد سنواتٍ من توفير وظائف مؤقتة، في القطاعين العام والخاص، فوجئ الكثير منهم بتلقي إشعاراتٍ عن إقالتهم ليعودوا إلى محرقة البطالة من جديد.البطالة موضوع خطير لا يقبل التلاعب بطريقة إضاعة الوقت، فهو له آثار سياسية واقتصادية واجتماعية، خصوصاً لارتباطه أساساً بجيل الشباب الذي يمثل ستين في المئة من السكان. كما أن هذا المشكل سيظل ملازماً للبحرين كالظل، لوجود خمسة آلاف خريج ثانوي، وألف خريج جامعي سنوياً على الأقل، فلا يمكن التخلص منه بطريقة الترقيع والتسويف.الدولة انتبهت لهذه المشكلة قبل ثلاثة عقود، وحاولت معالجة أحد أسبابها المتمثلة في مخرجات التعليم، وتبنّت أيام وزير التربية والتعليم السابق علي فخرو «خطة العشرة آلاف متدرب». لكن الخطة لم تنجح لأسباب نجهلها، ومع ذلك ظلّ التدريب هاجساً لدى الدولة لمعالجة الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق، فأنشئت البرامج الفنية ومعاهد التدريب.في موازاة ذلك اعتمدت الدولة خطة «البحرنة»، التي جاءت ثمرة نضال الحركة النقابية العريقة، كنوعٍ من الحماية للعمالة الوطنية التي تمثل أهم رأسمال وطني. في الألفية الجديدة، ومع التبشير بمشاريع الإصلاح الاقتصادي لسوق العمل، كانت أحد الشروط التخلّي عن شرط «البحرنة»، كمدخل لاقتحام عصر الليبرالية الجديدة التي سادت موجتها العالم. ومن أجل تمرير ذلك سيقت نظريات وتنظيرات واهية لا تصمد للنقد، من بينها أطروحة الإجراءات التي افترضوا أنها ستؤدي أوتوماتيكياً إلى «تفضيل العامل البحريني على العامل الأجنبي». وقد شاهدنا كيف جاءت النتائج عكسيةً تماماً، فانخفضت نسبة العمالة الوطنية في سوق العمل إلى 20 في المئة. بل إن المواطنين أصبحوا أقليةً ولأول مرة في تاريخ البحرين، وانخفضت نسبتهم إلى 47 في المئة، بينما زاد الأجانب إلى 53 في المئة.بعد أحداث فبراير 2011، تعرّضت الحركة النقابية إلى انتكاسة كبيرة، وتعرّض آلاف العمال والموظفين إلى الفصل من العمل، في القطاعين العام والخاص، ولأسباب سياسية ثأرية. وظلّ الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين يكافح ثلاث سنوات من أجل إرجاعهم للعمل. اليوم، يخرج وكيل الوزارة ليبشّر المفصولات الجدد بطوق النجاة الوحيد، وهو القبول بوظائف القطاع الخاص، معلناً أنه لا سلطة له على القطاع العام! فإذا كان كجهةٍ حكوميةٍ لها سلطات رقابية وإشرافية وتنفيذية، ليس له سلطة على القطاع العام الذي ينتمي إليه، فهل ستكون له سلطةٌ على القطاع الخاص؟الموظفات المفصولات حديثاً، كن يعانين من العمل في القطاع الخاص، إنْ من جهة ظروف العمل وساعات الدوام الطويلة وانخفاض الأجر، أو من جهة عدم توفر الأمان الوظيفي. وهي أسبابٌ موضوعيةٌ تماماً، وقد أثبتت التجربة صحة مخاوفهن، خصوصاً بعد فصلهن من وظائفهن المؤقتة في طرفة عين، بعد سنواتٍ من الخدمة، وبعد اكتساب الخبرة العملية.ما يزيد تمسكهن برفض هذا الخيار، خصوصاً مع مرور الكثيرات منهن بتجارب مريرة في الوظيفة المؤقتة، هو وجود شواغر يقيناً في وزارات الدولة، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، حيث يتم شغلها بالوافدين والوافدات من التخصصات العلمية نفسها، كما هو معلومٌ للجميع.هذه المجموعة التي تزيد على 150 مواطنة، من قائمة 1912، المتظلمات من هذا الوضع المجحف وإعادتهن للبطالة أو القبول بخيارات سيئة، لا يطالبن بأكثر من التمتع بحقهن الدستوري الذي يكفل للمواطن الحصول على فرصة عمل لائقة ومتناسبة مع مؤهلاته، تحفظ له كرامته في الحياة. فمتى يُغلق مثل هذا الملف بتبعاته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية الذي يمسّ حياة مئات العوائل وآلاف المواطنين؟
http://www.alwasatnews.com/