معرضُ (إليكَ أيها العاملُ)
معرضُ (إليكَ أيها العاملُ)
بقلم الكاتب:عبدالله خليفة
معرض علي محمد عبدالله هو معرضُ القَطعِ والصراعِ مع الحديد!
الفنان النقابي علي محمد عبدالله هو موظفٌ يعيش بين أصحاب الياقات البيضاء وهم الموظفون، لكنه ارتبط بقوة بمدرسة الصناعة وبالورش وبالحديد وقضايا العمال.
علاقتُهُ الصعبة مع الحديد ليست مثل علاقته مع الواقع، طوّع الآخر ولا يزال في صراعٍ مع الواقع الهارب من العقل والنضال والتوحيد.
هو معرضُ أدواتٍ وقوى حديدية مسيطرٌ عليها، وموضوعةٌ في أشكالٍ قوية صارمة: مطارق متعددة واقفة كبشر لها رؤوس مرفوعة، وبعضُها في وضعٍ مجرد يشيرُ إلى أبرز الأدوات التي يستخدمها العمال، ويرمزون بها لوجودِهم العملي، وحضورهم السياسي، وبعضها في علاقاتٍ فنية مع حَمامات الحرية إطلاقاً للطيران، وضد السكاكين الشرسة الموجهة للأجسادِ البشرية فتحدلا من وجودِها ومن خطورةِ شفرتِها على اللحم الإنساني.
وهناك القبعاتُ والتروس، فالقبعاتُ تجثم في نور ساطع، والظلامُ يحيط بها، ربما هو ظلامُ المناجم، وربما هو ظلامُ الواقع أو المكان أو المرحلة، وقربها الأشياءُ المتناثرة لوجود العامل المادي: قفاز أو حذاء وربما بقايا وبقع من دم.
القبعاتُ تأخذُ بعداً آخر عبر الألوان، فهي متعددةُ اللون: حمراء، وزرقاء، وصفراء، وسوداء، وخضراء، في إشارات للقارات البشرية والأمم ومواقعها على الخريطة الأرضية، وحولها وقرب حوافِها وبينها الكتابات البشرية المتعددة.
صور العامل الرمزي تتشكل من خلال وجوده الشخصي، حيث يقف بقبعته في زاوية اللوحة المشكلة ليس من الحبر والزيت بل من الأشكال الصناعية المتعددة: الشمس وقد استحالتْ إلى مثلثٍ تنطلقُ منه خطوطٌ طولية تحيطُ رأسَ العامل وقبعته، تعبيراً عن الطاقة النورانية المُرسلةِ له من الأعلى، أو من الشمس، أو من قوةٍ ما سياسية مضيئة.
إضافة لهذه الأعمال المُصاغة بمختلف الأدوات الصناعية الحديدية القاسية ومن الإطارات، والتي ينحو بعضها للجدل السياسي الاختلافي كما هو ظاهر ومؤسف بين العمال، فإن الملصقات التعبيرية تكملُ هذه الأعمال الفنية فهناك الملصقُ الكبير الذي هو لافتةٌ كبيرة لشعار(يا عمال العالم اتحدوا!)، مصاغٌ باللغات الثلاث العربية والانكليزية والفارسية، ذات رسومات داخلية للوجه الشبابي العمالي رافعاً القبضة ممثلاً للبشرية الفتية.
إنها أعمالٌ صعبة وذاتُ بساطةٍ تعبيريةٍ لكونها موجهة للعامل، وتتسم بالشعارية والهتاف عبر فن الملصقات والأعمال الحِرفية، وتطلقُ صوتاً عميقاً من الصعب أن يتشكل أولاً وأن يصل خاصة في مجال الفنون والثقافة(البرجوازية)!
وهذه الأعمال الفنية ترتبط بالشعار والتوجيه المباشر حيث يدعو الملصقُ العمالَ في لغته الكتابية النظرية للوحدة والنضال ضد نظام العمل المأجور في كلمةٍ كبيرة بعيدة المنال، في حين أنه يدعو كذلك في موادهِ المجسدة اليومية المعدنية إلى الوحدة الإنسانية والسلام والحرية والتعاون، وتغيير ظروف العمال المادية الصعبة وحياة العتمة والتدني المعيشي وبضرورة سلامة العيش بين التروس والآلات والمواد الخطيرة ومستنقعات الزيت المتلهبة.
هي أعمالٌ تبدو بسيطة ولكنها تأخذ من موظف لا علاقة له بالمصانع مثل علي محمد عبدالله سنوات من التدريب والممارسة، والجثوم في الورشة لابتكار الأشكال وتطويع المواد، وعرضها مرة أو مرتين خلال سنوات طويلة.
وهي لا تستطيع كمواد قاسية صلبة أن تأخذ أكثر من الطابع الرمزي العام، فليست مادة الحديد هنا مثل الزيت والقماش والورق ومن هنا هي أقرب للفنون الشعبية وهي من الممكن أن تلتحم بالصناعات الحِرفية هذه وأن تدخل كرموز مواد من الحياة.
هو معرضٌ يمثل تفكير العمال بأدوات حياتهم وصرخاتهم من بين تروسهم وقبعاتهم!