في ظل انتشار الاستقدام الوهمي ومجموعات غير مرخصة للخدم بنظام الساعة..
في ظل انتشار الاستقدام الوهمي ومجموعات غير مرخصة للخدم بنظام الساعة..
مكاتب «الاستقدام» تتقلص والإقبال يزداد على وكالات توريد الأيدي العاملة
في الوقت الذي انخفض فيه عدد سجلات مكاتب «استقدام الأيدي العاملة» أو كما سمّيت فيما بعد بمكاتب «التوظيف» إلى النصف تقريبًا خلال السنتين الماضيتين، نشأت شبكات من الجنسيات الآسيوية تقوم بطرق الأبواب للعمل في المنازل بنظام الساعات ويقوم عليها كفيل بحريني لا يملك سجلاً مرخصًا لذلك.
كما انتشرت عمليات النصب والاحتيال على المواطنين لاستقدام عمالة دون ترخيص رسمي، وبأسعار تتراوح بين 200-700 دينار في حين أنها قد تصل في الأصل إلى 1000 دينار، وذلك بمجرّد تداول إعلاناتهم عن طريق الواتسب أو ترويج بعض المستفيدين، وذلك دون غطاء رسمي أو حتى نص قانوني يلزم بالتعامل من خلال فقط المكاتب المرخصة أصلا لذلك.
ولم يكن أصحاب مكاتب التوظيف وعلى رأسهم رئيس جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام فريد المحميد، أن يتخيلوا في يوم ما بأنهم لن يجدوا لنشاطهم موطئ قدم، بل وأن يضطروا إلى إلغاء سجلاتهم مع فرض هيئة تنظيم سوق العمل عليهم ضمانا بنكيا قيمته 10 آلاف دينار، وذلك في ظل منافسة الموردين غير شرعيين ووكالات توريد الأيدي العاملة أو الخدم بنظام الساعات.
وبحسب رصد «الأيام» فإن القائمة المحدثة بتاريخ 8 مايو الماضي، والموجودة على موقع الهيئة الإلكتروني، تبين بأن عدد المكاتب صاحبة نشاط استقدام «خدم المنازل» الملتزمة بكافة الإجراءات التنظيمية والقانونية، بلغت 128 مكتبا من أصل 240 مكتبا قبل صدور القرار الملزم بتقديم الضمان البنكي في 2014.
الشبكات الوهمية خارج القانون
وانتشرت في الآونة الأخيرة شبكات خفية عن أعين القانون تجوب أنحاء المملكة، وتعمل على تقديم أيدي عاملة (خادمات) بنظام الساعات دون تصريح رسمي. إذ يكفي طرقهم للأبواب وسؤالهم عما إن كان أهل المنزل بحاجة إلى خادمة، ليفتح لهم ذلك الباب على مصراعيه للحصول على مسلك غير قانوني للإنخراط في ذلك المجال.
وبذلك تؤكد المواطنة س.ع لـ«الأيام» بأنها فوجئت في إحدى المرات بوافدتين من (الهند) يطرقان بابها للسؤال عما إن كانت بحاجة إلى خادمة، وصادف ذلك أنها بالفعل كانت في أمس الحاجة لمن يساعدها في أعباء المنزل، فقررت تجربتهما، وأبقت فيما بعد على إحداهن وتدعى (بانو).
وبسؤالها عما إن كانوا يعملون تحت هوية مكتب مرخص لاستقدام الأيدي العاملة، استبعدت ذلك، بقولها «علمت بالقصة من خلال حديثي بين الحين والآخر مع الخادمة، والتي ذكرت بأن كفيلها بحريني ويعمل مع سيدة من نفس موطنها، والتي بدورها تستقدم له من يقومون على الخدمة المنزلية من بلدها وترتب لهم جدول عملهم وتوزعهم على البيوت بحسب الطلب».
وأكدت بأن ذلك المواطن المتكفل بهم لا يملك ترخيصًا لمكتب استقدام أيدي عاملة، كما أنه يشغل أولئك الخادمات مقابل دينار واحد على رأس كل ساعة، ويأخذ عمولته من كل واحدة.
وأوضحت، بأن إحدى أولئك الخادمات اللواتي عملن عندها من نفس المجموعة، حاولت ألا تعطي كفيلها عمولته لفترة معينة فقرر الإبلاغ عنها بأنها هاربة ولا تحمل تأشيرة أو ما شابه، فقبضت عليها السلطات المختصة ورحلت إلى موطنها.
وذكرت في سياق حديثها بأن الخادمات يسكن في شقة استأجرها لهن الكفيل البحريني في منطقة قريبة من المنازل اللاتي يعملن بها، ويسكن فيها حوالي 4 خادمات حسبما أشارت الخادمة «لجمي».
وتابعت في حديثها، بأنها طلبت من الخادمة الأولى التي عملت معها لقرابة 4 سنوات ولمست منها الإخلاص والتفاني في العمل، أن تحول تأشيرتها عليها وتصبح خادمة دائمة في المنزل، إلا أن الأخيرة رفضت بدعوى أنها تكسب أكثر حينما تعمل بنظام الساعة، إذ تقوم على 7 بيوت تقريبًا بمعدل ساعتين لكل بيت و3 مرات أسبوعيا.
وبسؤالها عن سبب عدم استقدامها لخادمة دائمة، أجابت بأنها استقدمت فيما سبق.. ولكنها لم تكن بقدر المسؤولية، إذ طالت يدها الأمانات الموجودة بالمنزل أكثر من مرة، وعوضا عن ذلك فإنها اعتدت جسديًا على أطفالها وسببت لهم أضرارًا بليغة كثقب أذن أحدهم بإبرة، وتطاولها في الكلام وإساءتها المستمرة لجميع من في المنزل.
مفاوضات الجمعية على الضمان المالي
ورغم أن الهيئة ذكرت في بيان صحافي صادر في أعقاب تطبيق القرار رقم (1) لسنة 2014 بشأن تنظيم تراخيص مكاتب التوظيف، والذي اشترط للحصول على رخصة مكتب توظيف، أن يودع المتقدم بالطلب مبلغ عشرة آلاف دينار لدى هيئة تنظيم سوق العمل كضمان مالي، بأنها «خاطبت الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة بمكاتب توظيف العمالة المنزلية (خدم المنازل ومن في حكمهم) ومن ضمنهم (...) جمعية أصحاب مكاتب التوظيف، قبل اعتماد القرار التنظيمي بغية إشراك الجهات المعنية بوضع مرئياتهم كل حسب تخصصه».
إلا أن رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام فريد المحميد كشف لـ«الأيام» أن الاجتماع مع الهيئة استمر لست ساعات متواصلة، ولكنه لم يسفر عن أي تعاون من قبل الهيئة.
وأردف قائلا «حاولت الجمعية تقديم حلول بديلة عن الضمان المالي المفروض على مكاتب التوظيف أو حتى تأجيله بسبب ركود سوق استقدام الأيدي العاملة وقلة العرض وارتفاع الأسعار في ظل الشروط التي فرضتها بعض الدول المصدرة للعمالة والتي تصل إلى مستوى الإجحاف في بعضها».
وتابع «من ضمن المقترحات التي قدمناها للهيئة كحلول مستعصية، هو فرض الضمان على المكاتب التي سجلت في وقت سابق بعض المشاكل، أو حتى على المكاتب الجديدة، على أن تلغى على المكاتب التي لديها سجلات نظيفة».
واقترحت من ضمن المقترحات التي طرحت أن الجمعية ستكلف المكاتب عشرين آلف دينار على سبيل المثال أو حتى شيكات مفتوحة باسم الجمعية وذلك لضمان حل المشكلات التي من الممكن أن تقع من قبل مكاتب.
واستعرضت الجمعية في الاجتماع.. تجربتها مع الجانب السعودي فيما يخص الخدم السيرلانكيين، إذ كانت تسمح باستقدامهم عن طريق البحرين لعدم وجود سفارة لبلادهم في السعودية.
وأوضح المحيمد أن جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام كان لها في تلك الفترة، مكتب مخصص في مطار البحرين الدولي لمتابعة أمور التخليص وسجلات مكاتب الاستقدام وأوراق الخدم أنفسهم، وذلك بشكل معتمد من السفارة السعودية، إذ كان يوكل إليها حل المشكلات التي تقع أحيانا بذلك الخصوص، وحققت في ذلك نجاحا كبيرا.
وأشار المحميد إلى أن التعاون حصل في الفترة ما بين 1993-1995، وذلك قبل أن تنشأ سفارة سريلانكية بالسعودية، مضيفا أن مكتب التوظيف الواحد كان يستقدم أسبوعيا ما يتراوح بين 30-60 خادمة وبأسعار لا تتجاوز 500 دينار، وبذلك فإن الجمعية ومن خلال مقرها في المطار كانت تنهي إجراءات حوالي 900 خادمة شهريا.
وطالبت الجمعية ومن خلال تجربتها التي حققت نجاحا ملحوظا، بأن يكون لها دور في حل مشكلات مكاتب التوظيف وذلك كحل آخر بديل عن فرض الضمان المالي.. والذي قوبل بالرفض من جانب «سوق العمل».
وتأتي تلك المحاولات من قبل الجمعية لثني الهيئة عن قرارها بسبب إلغاء عدد كبير من مكاتب التوظيف لسجلاتها فعليا، كما أعلن مدير إدارة التخطيط والتراخيص بالهيئة حسن آل رحمة في تصريح صحافي له، بقوله «من بين 240 مكتبًا مرخصًا له بالمملكة، التزم منهم نحو 149 بتوفيق أوضاعه مع الإجراءات الجديدة والتزم بدفع مبلغ الضمان، فيما يبدو بأن 34 مكتبًا آثر إلغاء نشاطه بدلاً من تنفيذ ذلك الشرط، وبقي 57 مكتبَ توظيف لم يقم بتوفيق أوضاعه حتى صدور البيان الصحفي في 17 فبراير الماضي».
مشكـــــلات مكــــاتــــب التـــــوظيـــــف
وفيما يتعلق بصعوبات الاستقدام، أوضح رئيس جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام أن العمالة الوافدة لم تعد كما كانت في السابق، إذ أصبحت الدول المصدرة لها تخصص دورات توعوية بحقوقهم، لذلك فإن الخادمة صارت تطالب بحقها وتقف أمام صاحب المكتب ورب المنزل على حد سواء.
ولفت إلى أن دولا مثل سريلانكا يوجد بها عزوف عن قدوم الخادمات، خاصة وأنها تجد ظروف عمل أفضل في خارج الدول الخليجية.. كالعمل لثماني ساعات فقط ويوم واحد راحة أسبوعيا وإجازة سنوية وفوق ذلك كله فإن الراتب أعلى، لذلك فإن معظم من يقبلون بالقدوم أعمارهم تخطت سن اليأس.
وأشار إلى أن البحرين لا تضع قيودا على الاستقدام سوى على دولة أثيوبيا التي يتطلب الاستقدام منها موافقة شؤون الجنسية والجوازات والإقامة، فيما تفرض الهند مبلغ 900 دينار ضمان على كل خادمة لحفظ حقوقها، لذلك فإن عدد كبير من عمالة المنازل المنتمين إلى هذه الجنسية يأتون عن طريق التهريب.
ولفت إلى أنه من ضمن المشكلات التي سببت عزوفا عن مكاتب التوظيف، هي وقوع اعتداءات أو تحرشات جنسية سواء من قبل الخادمة أو من بعض أرباب البيوت، والتي تتطور إلى بلاغات في مراكز الشرطة، مشيرا إلى أن السفارات لا يقفن في مثل تلك الحالات مكتوفي الأيدي.. وإنما يخصصون محامين للدفاع عن الخادمات.
ونوه إلى أن الأولوية في مراكز الشرطة تكون للعامل وليس للكفيل أو أصحاب المكاتب، مضيفا أن الجمعية تساهم بدور الوساطة في حال طلب أحد الطرفين ذلك (رب المنزل أو صاحب المكتب).
الاحتيال ومنافسة السوق
وتساءل رئيس جمعية البحرين لمكاتب الاستقدام فريد المحميد، ماذا تقدم الهيئة مقابل الضمان المالي الذي فرضته على مكاتب التوظيف والبالغ عشرة آلاف دينار؟، إذ أن كل من هب ودب صار يستقدم خدما، فالهيئة لا تفرض على من يرغب في استقدام خادمة بوجوب التعامل عن طريق تلك المكاتب المرخصة، ما ينتج عن ذلك وقوع العديد من عمليات التلاعب والنصب والاحتيال على المواطنين، سواء من خلال الإعلانات المتداولة عن طريق الواتسب أو حتى في الصفحات المبوبة، وذلك مقابل 200-700 دينار فقط، في حين أن مكاتب الاستقدام مرخصة ولا يمكن لها أن تتهرب من مسئولياتها أو التزاماتها.
وبدورها أكدت ربة المنزل د.ع لـ«الأيام» أن أحد الأشخاص من الجنسية الهندية عرض على عدد من الأهالي استقدام خادمات من موطنه، وذلك من خلال ملفات كاملة بها صور للاختيار منها، واستلم من عدد من كل رب بيت مبلغ مقدم قيمته 350 دينارا، على أن يدفعوا نفس القيمة مرة ثانية مع وصول أولئك الخادمات.
وأضافت، بأن ذلك الشخص اختفى بعد أن تسلم المبالغ من الأهالي ولم يجدوا له أثرا، رغم أنه كان قد جلب بالفعل لعدد من أرباب البيوت.
وعوضا عن ذلك، فإن بعض الخدم يستقدمون معارفهم لأهل البيت، كذلك عمال الورش باتوا يأتون بمعارفهم لأرباب العمل، وبذلك أصبحت مكاتب الاستقدام لا تستطيع منافسة السوق في ظل تلك الأسعار غير الثابتة والشروط التي تفرضها الدول المصدرة للعمالة.. حسبما يشير المحميد.
وتشهد وكالات توريد العمال المسموح لها بتقديم خادمات منازل بنظام الساعات إقبالا كبيرا، وذلك في ظل صعوبة استقدام العمالة بسبب شح العرض، عوضا عن أن السوق أصبح مكتظا ويشهد تنافسا شديدا.
وبدوره أشار المحميد إلى أن المشكلات التي تقع كهروب الخدم وتكاليف التأشيرات والإجازات السنوية واحتياجات المنازل لأكثر من خادمة، جعلت الإقبال يزداد على العمالة بنظام الساعات.
وأضاف أن ذلك النظام معمول به في العديد من الدول الخارجية، رغم التكلفة العالية التي تتحملها وكالات التوريد بوجوب تخصيص سكنا للعمالة التي تتحمل تأشيراتها.
وطالب المحميد هيئة تنظيم سوق العمل بمنح مكاتب التوظيف تأشيرات على سجلاتهم، ليقدموا خدمات بنظام الساعات، ويتم الاقتصار في عملية استقدام العمالة المنزلية على العمالة المهمة كالمربيات والطباخات والعناية بكبار السن أو العجزة، وبالتالي يكون ذلك حلا لمشاكل الخدم وتقليلا للمصاريف وحفاظا على حقوق الجميع في ظل وجود عمالة متخصصة في مجالاتها، بما يعطي لمكاتب التوظيف حلولا أخرى بدلا من أن تلغي سجلاتها.
وأوضح أن ذلك الحل إذا طبقته هيئة تنظيم سوق العمل سيكون في صالح الجميع ويشجع أصحاب المكاتب في نفس الوقت على الاستمرار في العمل.
http://www.alayam.com/alayam/