هكذا يكون الإنجاز!
عمال البحرين الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٣

هكذا يكون الإنجاز!

هكذا يكون الإنجاز!

من بين تقارير الإنجازات التي أصدرتها معظم الوزارات بمناسبة احتفالات البلاد بأعيادها الوطنية.. شدّني تقرير وزارة العمل بمصداقيته ووضوحه.. لأنه جاء تحليلا لتقارير فصلية وشهرية أعدتها الوزارة وعرضتها على مجلس الوزراء.. وهو - أي المجلس - قد باركها وضمّنها البيانات الصادرة عن مجلس الوزراء نفسه.
أبرز ما لفت نظري في هذا التقرير الذي تنشره «أخبار الخليج» اليوم هو جهود الوزارة في مجال التوظيف.. حيث نجحت خلال الفترة الواقعة بين أول يناير ونهاية نوفمبر 2013م في توظيف 19 ألفا و764 موظفا في مؤسسات وشركات القطاع الخاص.
ليس هذا فقط، بل إن الوزارة هي التي شجعت من خلال هيئة تنظيم سوق العمل، وصندوق العمل على تحمل ما يقارب 50% من رواتب بعض هؤلاء الموظفين الجدد في مؤسسات وشركات القطاع الخاص.. وجعلت من خدمات التدريب والتأهيل على مقربة من جميع الشركات ومنشآت القطاع الخاص بصفة عامة.. الأمر الذي فوّت على بعض المنشآت محاولة الاعتذار عن عدم قبول الشباب البحريني بدعوى نقص كفاءته وتأهيله وتدريبه.. وبذلك عملت الوزارة على الحد من ظاهرة مزاحمة العمالة الأجنبية للعمالة الوطنية.
والحقيقة المؤكدة أنه كان يمكن أن يكون عدد من وظفتهم الحكومة من خلال وزارة العمل أكثر من 19 ألفا.. لو أن الشباب البحريني قبل الوظائف المعروضة في بنك الشواغر بالوزارة.. حيث إنه - وباستمرار - يوجد لدى الوزارة وظائف تطلب وتلح على من يشغلها.. وعادة يزيد عددها على (7) آلاف وظيفة شاغرة باستمرار. النجاح الأكبر هو إبقاء نسبة البطالة في مملكة البحرين عند ما دون 4,3%.. وقد انخفضت في شهور سابقة إلى 3,8%.. وهي نسبة منخفضة جدا بالمقاييس الدولية. والحقيقة أن التقرير مليء بالإنجازات الملموسة في واحد من أهم القطاعات الحيوية.. والسبب في ذلك مرجعه إلى أن وزارة العمل تلاحظ على الدوام خلية نحل لا تهدأ، لذا فإن الثناء على هذه الوزارة ووزيرها وكل المنتسبين إليها واجب.
باختصار.. توظيف أكثر من 19 ألفا من أبناء الوطن خلال أقل من عام واحد هو إنجاز كبير.. والإبقاء على معدل البطالة عند 4,3% كحد أقصى إنجاز أكبر.. وجعل خدمات التدريب والتأهيل للبحرينيين والبحرينيات متاحة لجميع الباحثين عن عمل بدون مقابل.. هو إنجاز لا يقل أهمية عما سبقهما.. وهكذا يكون الإنجاز. *** عاد مجلس الوزراء إلى البحث من جديد في قضية فصل الطب العام عن الطب الخاص.. حيث يبدو أنها لاتزال قضية ملحة.. وكنت أظنها قد حسمت.. وخاصة بعد هذه الجهود المبذولة من أجل تحسين الوضع الوظيفي والمالي للاستشاريين من خلال البدلات والزيادات الجديدة.. ويبدو أن هذه الجهود لم تحسم بعد.. ومما يبعث على الطمأنينة أن سمو رئيس الوزراء مهتم جدا بهذه القضية.. وسموه هو الذي وجّه منذ فترة ليست بالقليلة إلى تحسين أوضاع الاستشاريين.
طرحت هذه القضية من خلال اللقاء الأسبوعي للمتحدث الرسمي باسم الحكومة الأستاذة سميرة رجب وزيرة الدولة لشئون الإعلام يوم الأحد الماضي. القضية أعيد طرحها هذه المرة - كما أشارت الوزيرة - من خلال دراسة شاملة لاتزال معروضة على المجلس.. وهي التي سيتم من خلالها حسم هذه القضية على ضوء ما سوف تنتهي إليه من نتائج.
الحقيقة لقد سبق أن طرحت رأيي في هذه القضية من قبل.. وقد ألمحت إلى ذلك خلال لقاء المتحدث الرسمي.. ومقتضاه في اختصار شديد.. أن الاستشاريين البحرينيين ثروة غالية يجب الاعتزاز بها والحفاظ عليها.. لأنها تجسد قمة الخبرة في قطاع الطب.. ولا يجوز بأي حال من الأحوال - بل من العبث - ركوب الحلول السهلة التي تحلل الفصل وتحرم القاعدة العريضة من المواطنين من الانتفاع بهذه الثروة الغالية التي كلفت أصحابها والحكومة ممثلة في وزارة الصحة ملايين الدنانير.. كما أن العالم كله يشكو شحا في هذه الفئة.
ومعنى ما أقول أنه إذا فصلنا الطب العام عن الخاص فإن النسبة العظمى من الاستشاريين سيفضلون التفرغ لعياداتهم أو مستشفياتهم الخاصة.. الأمر الذي سيقلل فرص الانتفاع بعلمهم وخبراتهم من قبل عامة الشعب ومحدودي الدخل الذين ليس بمقدورهم اللجوء إلى الطب الخاص.
وهذا الفصل إن لم يكن معدوما تماما في معظم دول العالم.. فإنه نادر جدا وفي عدد محدود من الدول.. لأن هذه الدول تدرك جدوى عدم الفصل ومخاطر الفصل. وإثارة هذه القضية مرجعها - كما يقال - هو أن بعض الاستشاريين - وهم قلة قليلة - يسيئون إلى أنفسهم من خلال إساءة استغلال السماح لهم بالجمع بين الطب الخاص والعام.. حيث يُعطون الأولوية والأهمية لعياداتهم أو مستشفياتهم.. أو يسخّرون الطب العام لمنفعة الطب الخاص.. إلى درجة الانحراف متعدد الصور أحيانا.. وتعداد هذه الصور لا تسعفه المساحة المتاحة لهذا المقال.
وما دمنا نسلم بأن المسيئين إلى مبدأ السماح بالجمع بين الطب العام والخاص ليسوا بالكثرة المخيفة.. فإنه من غير الصواب أن نسمح للسيئة بأن تعم.. أو نسمح للوزارة بأن تزر وازرة وزر أخرى.. ويجب اللجوء إلى محاسبة المخالفين وحدَهم عن انحرافهم ومنحهم حق المفاضلة والاختيار بين العام أو الخاص.
ثم إن التوجه الحالي بتحسين أوضاع الاستشاريين، وتقديرهم حق قدرهم من خلال إعادة النظر في أوضاعهم ومنحهم ما يستحقون.. هذا التوجه سيجعل الاستشاري يتردد ألف مرة قبل أن يضحي بموقعه في الطب العام.. ويدفعه أكثر نحو التمسك به والعطاء له.. فالمسألة في هذه المهنة الإنسانية لا تقاس بحجم الأموال التي يجمعها الاستشاري من هنا أو من هناك.