حول مقترح إعادة هيكلة القطاع الحكومي
حول مقترح إعادة هيكلة القطاع الحكومي
التوصية التي اتخذها مجلس النواب في إحدى جلساته عندما أبدى رغبته المستعجلة بإعادة هيكلة القطاع الحكومي لمملكة البحرين ليكون مواكبا للتطورات الحديثة في علوم التنظيم الإداري الحديث، وتوجه المجلس على ضوء ذلك نحو رفع هذا المقترح إلى الحكومة.
فإذا افترضنا جدية النواب في إنجاز هذا المقترح والتزامهم بالسعي لتحقيقه، وحث الحكومة على تنفيذه وفقا لرؤية استراتيجية معتمدة، فإن هذه الخطوة ممكن اعتبارها من أهم التوجهات الأصلاحية التي ينادي بها النواب طوال سنواتهم التشريعية الممتدة منذ عام 2002، ذلك ان الموضوع ذو شأن كبير نظرا لما له من أهمية تتطلبها الظروف التي تمر بها المملكة حاليا. كما ان مثل هذا الاقتراح ينتظره الكثير من المواطنين وبعض المسئولين من أجل تجديد الدم في خلايا الجسم الإداري الحكومي لينهض من كبوته ويجدد قواه المنهكة ويعد نفسه لمواكبة الحداثة في علم الإدارة. كذلك ترجع أهمية إعادة هيكلة القطاع الحكومي وهو الذي يمثل السلطة التنفيذية أنه أحد أهم أضلاع مثلث الحكم المسئول عن إدارة شئون المملكة، وبضعف هذا القطاع وترهله يصبح مثلث الحكم مختل التوازن فاقدا القدرة على تناسق وتناغم أطرافه.
إن القطاع الحكومي في معظم دول العالم يعتبر بمثابة العمود الفقري وهمزة الوصل لمختلف أنشطة قطاعات الدولة العامة والخاصة، فمثلا لا يمكن للقطاع الخاص باتساع رقعة أعماله وكثرة أنشطته أن ينهض أو يتقدم دون مساندة فعالة من القطاع الحكومي أي السلطة التنفيذية، والكلام ينطبق وبنفس المفهوم بالنسبة للسلطتين التشريعية والقضائية فلكي يعملا بروح إيجابية ونشاط مفعم بالحيوية، فلابد من أن يستندا على قطاع حكومي متطور قادر أن يخصب الأرضية التي يعملان عليها من أجل تنشيط وتفعيل مخرجاتهما في مناخ من العلاقات التنسيقية المتناغمة بعضها مع بعض.
ربما كان توقع المواطنين أن يقوم مجلس النواب بجعل هذا المقترح من أولى أولوياته ويطرحه منذ بداية فصوله التشريعية الأولى أي منذ بداية مباشرته لأعماله النيابية، ولو حدث مثل هذا الأمر فلربما تسهلت الكثير من الأمور المستعصية التي واجهها المجلس مع السلطة التنفيذية، ولاستطاع الجميع كل حسب مسئوليته أداء واجبه بتناغم إيجابي مشترك يحقق أماني الناخبين وبقية المواطنين والمقيمين ورغم ان ذلك لم يحدث فالآمال معقودة على إنجاز هذا المقترح والعمل بقواعده الجديدة التي سوف تصحح الكثير من السلبيات الخاصة بأداء العمل في القطاع الحكومي من حيث تسريعه وجودته ليضاهي أحدث الأنظمة الإدارية المعمول بها في دول العالم المتقدمة والتي تحكم مفاصل العمل اليومي في الأجهزة الحكومية المتعددة الأوجه والنشاط، كذلك من مميزات هذا المقترح إنه سيمنح الجهاز الحكومي قوة دفع على طريق التطور الإداري الحديث والذي سيكون له انعكاسا إيجابيا على أنشطة وفعالية القطاعين العام والخاص، كما سيكون له أثر فعال في تحريك ديناميكية الفكر الإداري وإنضاجه لكي يؤدي دوره نحو تحسين أداء القطاع الحكومي ليواكب التطور الإداري الذي حققته مؤسسات القطاع الخاص. فهذه المؤسسات دائما ما يكون لها السبق في الأخذ بالنظريات الحديثة المتجددة في عالم الإدارة، مما ينعكس أثره على إجراءاتها المرنة والعملية التي تعطيها أداء جيدا بنتائج طيبة متوخاة، كذلك استخدامها لمقاييس سليمة لتقييم أداء موظفيها وللتأكد من جودة إنتاجيتهم، ومثل هذه الأمور يفتقدها القطاع الحكومي، إن المبالغة في النفقات وهدر الأموال وغياب الأهداف من أبرز ملامح القطاع الحكومي، حيث شهد بذلك التقرير الأخير الذي أصدره ديوان الرقابة المالية والإدارية وما تضمنه من ملاحظات سلبية عن مجمل الأداء في القطاع الحكومي خلال عام مضى إن في إعادة هيكلة القطاع الحكومي الكثير من الفوائد التي ستعود بالنفع على مختلف مقومات الدولة وعلى رأسها الميزانية العامة وأهمها ترشيد الكثير من بنود الصرف المتكرر وكذلك نفقات مشاريع التنمية خاصة في الظروف الحالية التي تمر بها الدولة من حيث أحوالها المالية التي تعكسها أرقام الميزانية العامة في جانبيها الإيرادات والنفقات والتي توضح وضعا قد يصعب تلافيه في المستقبل بين نفقات تتضخم أرقامها وإيرادات يتناقص حجمها سنة بعد أخرى لا شك إن هذا الاقتراح يعد قفزة نوعية في مجهودات مجلس النواب، وبالتالي فعلى الحكومة التجاوب معه باتخاذ خطوات مناسبة وسريعة لإعادة هيكلة قطاعها وتنفيذه بأفضل الوسائل حتى لو كان العمل يتم على مراحل بشرط أن تكون مدروسة وقائمة على أسس ومعايير حديثة. ونتمنى أن يحدث مثل هذا الأمر لأنه سيعد إنجازا إداريا رائعا يحسب للحكومة كعمل جيد يهدف إلى تحسين الأداء ورفع الإنتاجية والتمكن من تقييم المخرجات وفقا للأهداف الموضوعة، كذلك سيساعد على التحكم في التجاوزات المالية والإدارية، ويطور من أساليب تنفيذ المشاريع الحكومية من حيث أزمانها ونفقاتها ومردودها وحتى يصيب هذا الاقتراح هدفه فعلى مجلس النواب المشاركة مع الحكومة في دراسة المقترح وذلك بوضع الأسس والمعايير التي تحدد أهدافه وتضمن نجاحه لكي يحقق الغرض منه. فمثلا ممكن الأخذ في الاعتبار كمعايير وأهداف ما يلي: 1- ترشيد الإنفاق في الكثير من بنود المصروفات المتكررة ومشاريع البنية الأساسية والمشاريع الاستثمارية، 2- دمج وتوحيد الكثير من الأعمال الحكومية المتشابهة في وحدات إدارية موحدة شاملة تكون مسئولة عن التنفيذ والمتابعة بقصد تحديد المسئولية وتسهيل المحاسبة والتركيز على المساءلة. 3- الاهتمام بالعنصر البشري في التطور العام لتطوير القطاع الحكومي من حيث إعداده وتهيئته ليتولى زمام الأمور في هذا القطاع وخاصة في مجالات التعليم والتدريب والخبرة والاختصاص. 4- تطبيق قاعدة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب إذا أريد لهذا القطاع بعد إعادة هيكلته أن ينهض بمهامه ويحقق أهدافه. 5- إفساح المجال ومنح الفرص للأجيال الشابة المتعلمة من تولي المسئولية وإعطائها الثقة بنفسها لتبذل أقصى جهدها في المبادرة بالتفاعل مع الأنظمة الإدارية الحديثة التي سيأتي بها هذا الاقتراح، إن الشباب يملكون الطاقة والطموح التي تؤهلهم لتحقيق الأهداف، بالإضافة إلى أنهم يريدون إثبات قدراتهم على الأداء الجيد إذا أتيحت لهم الفرص لتنفيذ أفكارهم وإبداعاتهم إن في إعادة هيكلة القطاع الحكومي فرصة سانحة لمعالجة الكثير من السلبيات داخل أجهزة القطاع العام ومن بين ذلك ظاهرة التضخم الوظيفي الذي لا تقابله مع الأسف كمية وجودة إنتاج موازية له، بالإضافة إلى إن هذا الحجم العددي الكبير يضخم اعتمادات القوى العاملة وبالتالي يزيد من حجم المصروفات المتكررة، على حساب بنود أخرى يمكن توجيه بعض من هذه المبالغ إليها لتسد بعض الحاجات المعيشية للمواطنين كذلك في إعادة الهيكلة مناسبة جيدة لتخفيف البيروقراطية أو القضاء عليها بوضع قواعد وإجراءات إدارية مرنة تعالج البطء والتأخير في إنجاز الأعمال وتسرع في استكمال مشاريع التنمية وتلبية حاجات المواطن المتأخرة. إن البيروقراطية في عالم اليوم داء يجب التخلص منه لتأثيراته السلبية على تنفيذ مشاريع البنية الأساسية كالمستشفيات والجسور والشوارع والمجاري وغيرها والتي عادة ما يأخذ إنجازها الوقت الطويل وتكاليفها الشيء الكثير إن لم يكن متضاعفا مقارنة بعقودها الأصلية، إن البيروقراطية آفة يجب تجنبها لأنها تهدر الوقت وتضيع الفرص وتؤخر الإنجاز وينعكس أثر ذلك سلبا على الاقتصاد الوطني وبالتالي تتضخم كلف الأداء باعتبار إن للوقت ثمنا. كذلك من مميزات إعادة الهيكلة تحفيز الموظفين على التعامل مع نظام جيد يجعلهم يحترمون عملهم ويقدسون مسئولياتهم ويجتهدون في تحقيق أهدافهم.
تبقى كلمة أخيرة لابد من ذكرها في هذا السياق نرسلها إلى النواب حول مقترحهم هذا، وهي أليس من المناسب أن يبدأ النواب تطبيق هذا المقترح على مجلسهم قبل غيرهم، وذلك بإعادة هيكلة سجل حضورهم لجلسات المجلس ولجانه وهيئاته؟ هذه ملاحظة سالبة نوه بها رئيس المجلس في إحدى الجلسات، وبالتالي فالأفضل أن يبدأ المجلس بمراجعة قواعد انضباط حضور نوابه ليكون قدوة لغيره.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13093/article/4194.html