عرَّضوها.. ومتكشكشوهاش!!
عرَّضوها.. ومتكشكشوهاش!!
لطفي نصر
بعد أن تقاعس بعض المستشارين في الجهات الحكومية عن أداء مهامهم من وحي ضمائرهم وعلمهم وتفقههم في القانون باعتبارهم قضاة أفاضل ينشدون العدل والحق والإنصاف على نحو مطلق.. بدأ هذا البعض يجنح نحو المجاملة, والتغاضي عن الاعوجاجات التي تخالف ضمائرهم.. وإيثارهم السكوت والصمت أحيانا..!
بعد كل هذا لا بد من جهة تعرض عليها مشروعات القوانين كي توقع عليها بالضوء الأخضر, أو تنصح بالتراجع والعدول عنها.. وكل ذلك قبل وصول هذه المشروعات بقوانين إلى السلطة التشريعية.. ثم تجد طريقها نحو النشر عبر وسائل الإعلام ليتم استفزاز المواطنين بها, وخاصة تلك التشريعات التي تسدّ أبواب الرزق وتغلقها في وجوه خلق الله.
آخر هذه التشريعات المستفزة: مشروع قانون بشأن إدخال تعديلات جديدة على قانون الخدمة المدنية رقم 48 لسنة 2010م.
هذا المشروع بقانون المشار إليه يقضي بالحظر على الموظفين العمل خارج وقت الدوام الرسمي.. أي خارج نطاق جهة العمل.. وهو المشروع الذي رفضته على الفور ومنذ أول وهلة لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب برئاسة النائب علي العطيش.. على أساس أن هذا القانون لو صدر فإنه سيسبب أضرارا بالغة لصغار الموظفين.. إضافة إلى أن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية تنظم هذا الموضوع بشكل واضح وحاسم.
أكبر عيب في مسيرة التشريعات في أيّ بلد هو عند عدم مراعاة التوقيت الصحيح والمناسب لإصدار التشريعات الجديدة أو إدخال تعديلات على تشريعات قائمة.. منذ أيام أعلنت زيادة الضريبة الزراعية على الفلاح المصري.. وكان المبرر الوحيد لهذه الزيادة هو أن الحكومة سترفع أسعار المحاصيل الزراعية التي تشتريها من المزارعين!
يعني كان أجدى بالحكومة المصرية أن ترفع سعر شراء المحاصيل من الفلاح ثم تصمت ليشعر الفلاح المطحون بالبهجة والقدرة على التنفس, عندما يتم إنقاذه من حالة التردي والبؤس التي يعيشها.. ولكنها الحكومة التي تعطي باليمين لتأخذ بالشمال من دون أدنى تفكير.. يعني الحكومة المصرية لم يهن عليها أن تنقذ الفلاح المصري من حالة الضنك التي يعيشها عندما أرادت أن تسعده, وجدناها بعد ساعات قلائل «تعكنن» عليه!
وهكذا كان مشروع قانون الحظر على موظف الحكومة في البحرين العمل في غير أوقات العمل الرسمية.
الحقيقة.. ليس هذا وقته.. يعني لو كانت الحكومة البحرينية قد أقدمت على ما أقدمت عليه الحكومة المصرية من حيث زيادة أسعار شراء المحاصيل الزراعية قبل زيادة معدلات الضريبة الزراعية.. كان يمكن أن تكون هذه التعديلات على قانون الخدمة المدنية بمنع الموظف من العمل في غير أوقات الدوام الرسمي مقبولة.. يعني لو كانت الحكومة قد أجرت زيادات استثنائية على رواتب الموظفين.. وهو - أي الموظف البحريني - الذي لم يذق طعم هذه الزيادات الاستثنائية منذ سنوات طويلة.. ويعيش على العلاوة الدورية التي لا تتجاوز 3%.. بينما تكاليف المعيشة تزيد أضعاف أضعاف هذه النسبة الهزيلة للعلاوة الدورية.. ويا ليت زيادة تكاليف المعيشة تزيد بشكل سنوي فحسب وإنما الزيادة في الأسعار وتكاليف المعيشة تحدث بشكل مستمر ومتلاحق.. وبدون رحمة!!
هذا من ناحية.
أما من الناحية الأخرى.. فإنه إذا أريد معالجة قضية - مثل قضية السماح للموظف بالعمل في غير أوقات العمل الرسمي - فإنه لا يجوز أن تعالج القضايا بشكل متجزئ أو متشرذم.. فالأطباء والمهندسون والمستشارون والصحفيون والإعلاميون وموظفو القطاع الخاص بصفة عامة يسمح لهم بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية.
. وهدف السماح بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية واضح لا مراء فيه وهو مراعاة ظروف وأحوال البعض الذين لا تكفيهم رواتبهم للعيش الكريم.. وخاصة الذين لديهم حالات مرضية في أسرهم.. أو الأب الذي لديه جملة من الأولاد والبنات في الجامعات والمدارس.. أو الموظف الذي يعول والديه وشقيقاته أو غيرهم.. الخ.
ثم أليس السماح للموظف بالاجتهاد والعمل في غير أوقات العمل الرسمية أفضل من ترك الموظف المحتاج نهبا للضعف والارتشاء أو السرقة أو أي شكل آخر من أشكال الانحراف؟!
و«بعدين».. اللائحة التنفيذية واضحة بشدة في شروط ومتطلبات السماح لموظف الحكومة بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية.. كما نرى هذه اللائحة تتشدد في هذه الشروط إلى درجة التعنت.. بمعنى أنه كان يمكن أن يكون أهون ألف مرة لو كان قانون الخدمة المدنية قد جاء في الأصل بدون السماح للموظف الصغير بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية.. أي أن ذلك الحظر كان سيكون أرحم ألف مرة من هذا التعنت.
وبصراحة نرى أن المشرع البحريني يسرف أكثر في استخدام عبارة الحظر.. أكثر من الحرص على الإتيان بعبارة «السماح».. ولست أعرف ما هو السر في هذا الجنوح غير المستحب.. وغير السويّ؟!
وأخيرا أقول: يا جماعة.. يا خلق الله.. عرضوها.. ومتكشكشوهاش!!
***
أنا لم أحضر جلسة مجلس النواب التي أراد السادة النواب من خلالها تحديد الوزارة المسئولة عن قضية فساد اللحوم.. والتي نشر في أعقابها أنهم قد فشلوا في تحديد الوزارة المسئولة!
واليوم أتساءل: هل النائب سوسن تقوي - وهي من النواب الناشطين جدا والتي لا تفوتها شاردة ولا واردة - لم تحضر مثلي هذه الجلسة؟ وخاصة أنني رأيتها تحاول أن تلقي بهذه المسئولية في ملعب وزارة الصناعة والتجارة؟.. وأتساءل مرة أخرى.. هل هناك من جديد؟!
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13103/article/5878.html