الفلوس ضاعت.. وربنا يستر!
عمال البحرين الخميس ١٣ فبراير ٢٠١٤

الفلوس ضاعت.. وربنا يستر!

الفلوس ضاعت.. وربنا يستر!    
 
لطفي نصر 
«يعني مفيش ورانا غير طيران الخليج.. من أول ما بدأنا هذا الفصل التشريعي ومفيش لنا شغلانه غير طيران الخليج».. هذا هو نص ما قالته النائب ابتسام هجرس خلال جلسة مجلس النواب أمس الأول عندما طرح المرسوم الملكي بفتح اعتماد إضافي في الميزانية العامة مقداره (185) مليون دينار! أهم شيء حصل في هذه الجلسة هو المناقشات التي دارت حول المرسوم الخاص بفتح الاعتماد الإضافي، وليس المرسوم نفسه أو حتى جدواه لسبب بسيط، وهو أن هذا المرسوم قد صدر منذ سنتين، وبدأ تنفيذه مباشرة وفور صدوره.. يعني معظم مبلغ الـ 185 مليون دينار قد صُرف إن لم يكن قد صُرف بأكمله.. وأنه طبقا للدستور فإن ما يصرف تنفيذا للمراسيم الملكية التي تصدر في غيبة البرلمان لا يرد.. (ومن أين يرد؟).. ومعنى ذلك أن موافقة أو رفض مجلس النواب لهذا المرسوم لا ترتب أثرا ولا تجدي فتيلا.. اللهم إلا إذا كانت قد بقيت من الـ 185 مليون دينار بضعة دنانير!!
هذا بالنسبة الى ما يحصل للمراسيم التي تصدر في غيبة البرلمان (أثناء العطلة البرلمانية الصيفية.. أو في فترة ما بين الفصلين التشريعيين)، والتي تكون تحمل بين طياتها أموالا واعتمادات.. أما بالنسبة إلى المراسيم بقوانين الأخرى والتي تحمل قوانين جديدة أو تعديلات على قوانين قائمة مثل قانون العقوبات مثلا، فهذه إذا رفضتها السلطة التشريعية رغم صدورها عن جلالة الملك فإنها تسقط ولا يبقى لها أي أثر.
إذن لماذا كل هذه الضجة.. وهذه الشراسة والعنفوان في الطرح والمناقشات داخل مجلس النواب بالذات.. لأنها في مجلس الشورى لن تلقى شيئا من هذه الشراسة فهنا - أي في الغرفة الثانية- فإن العقلانية هي التي تسود بدرجة أكبر.. لماذا؟
السادة النواب يدركون كل ذلك. بل وما هو أكثر منه.. وأن لا شيء سيكون ملموسا في حالة رفضهم لهذا المرسوم، ولكنهم أرادوا تسجيل موقف - وقد يكون انتقاميا في بعض جوانبه- ولن ينسى النواب الأحرار انه بعد أن أسقط في أيديهم، وأعلنوا الفشل في محاولاتهم ومحايلاتهم على الحكومة برصد بضعة ملايين لزيادة معاشات المتقاعدين.. وبضعة ملايين أخرى لإدخال زيادة على رواتب الموظفين.. هذه الزيادة التي لم يذق المتقاعدون ولا الموظفون طعمها منذ سنين طويلة مضت.. قد فوجئوا وأهينوا عندما فوجئوا بصدور مرسوم بفتح اعتماد اضافي لطيران الخليج قيمته (185) مليون دينار.. وهم الذين كانوا قد وافقوا من قبل على منحها 400 مليون دينار.. وهم أيضا الذين لم يعودوا قادرين على مواجهة لا المتقاعدين ولا الموظفين وهذا هو ما أفصحوا عنه وكشفوا عنه بوضوح خلال الجلسة.. كما أن بعضهم لم يستطع أن يخفي النيران المشتعلة في صدورهم عندما قالوا على مرأى ومسمع من الجميع إن خسائر طيران الخليج قد وصلت إلى مليار ونصف المليار دولار منذ أن آلت ملكيتها كاملة إلى دولة البحرين.
يتساءل السائلون - وهذا من حقهم- لماذا وقد صدر هذا المرسوم بفتح الاعتماد الإضافي لطيران الخليج قبل بدء دور انعقاد المجلس بثلاثة أيام.. ولماذا لم يتم الانتظار حتى يبدأ المجلس جلساته ويعرض الأمر عليه.. ويتم مراضاة النواب الكرام - ويا دار ما دخلك شر؟!
الرد هو -كما قال ممثلو الحكومة في الجلسة ومن بينهم الوزير كمال بن أحمد- أنه في هذه الحالة كان لا بد من الذهاب إلى مجلس النواب بمشروع قانون لفتح الاعتماد وليس مرسوما ملكيا.. ومصير أي مشروع قانون يكون في مهب الريح.. ومشوار المشروع بقانون يطول وقد يصل إلى سنين حتى مع الاستعجال.. وأن مستقبل طيران الخليج كان قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس أو السقوط.. وأن هذه الـ 185 مليون دينار كانت المنقذ الوحيد. وقد يتساءل سائل: أنتم في «أخبار الخليج» قد ذكرتم أنه تم تمرير هذا المرسوم الملكي.. يعني وافق المجلس عليه.. فلماذا لم يرفضه السادة النواب لكي يجيء هذا الرفض متوافقا مع ما تجيش به صدورهم؟!
الجواب هو: من حيث الشكل فقد رفض السادة النواب هذا المرسوم.. حيث كان حاضرا بالمجلس 32 نائبا - 17 منهم وافقوا على توصية اللجنة المالية بالمجلس الرافضة للمرسوم الملكي.. و15 نائبا رفضوا التوصية الرافضة.. ولما كان الدستور أشد رحمة على طيران الخليج من النواب فإنه يتطلب أن تكون نسبة الرافضين على المراسيم بقوانين مطلقة بمعنى أنه لا بد أن يكون عدد الرافضين أكثر من 20 نائبا حتى يكون الرفض صحيحا.. أي أنه هنا لا ينفع التصويت النسبي أي على ضوء عدد الحاضرين.. وهذا هو ما حصل.. أي أن الأمر هنا أنه لم يحدث رفض للمرسوم ذلك لأن متطلباته لم تتحقق.
بقيت نقطتان مهمتان لا بد لي من تناولهما في هذا المقام.. وإن كانت معالجة هذا الموضوع كما يجب تستحق مني العديد من النقاط.
النقطة الأولى هي: هل تستحق طيران الخليج من السادة النواب كل هذا الموقف المتشدد الذي وصل أحيانا إلى درجة التعنت؟
أولا: طيران الخليج ناء بحملها أربع أو خمس دول خليجية وحملتها مملكة البحرين راضية رغم أنها تحمل اسم الخليج كله.. وأصبحت الناقلة الوطنية الوحيدة.. وأن سقوط طيران الخليج يعني انهيار جرف هائل قد يهز الاقتصاد الوطني البحريني هزا.. إن لم يكن ينال من سمعة مملكة البحرين وبقدر قد يكون مخيفا.
ثانيا: ودائما - تكون هناك ومن خلال جلسات مجلس النواب حمامات سلام حاضرة بقوة في هذه الجلسات.. وحمامة السلام الأكثر تأثيرا في مجلس النواب بأكمله تتجسد في شخصية النائب الشيخ عادل المعاودة الذي قال لزملائه منطلقا من صراحته المعهودة: الفلوس راحت.. ورفضنا للمرسوم ليس له أي نتيجة.. الفلوس لن تعود.. انصرفت.. والحقيقة قد تعودنا استنزاف الشركة لأموالنا.. لكن بصراحة الشركة ومع هذا الوزير المخلص كمال بن أحمد بدأت طريق العودة إلى قوتها وسمعتها السابقتين.. وخسائرها تضيق رقعتها بسرعة وبشكل لافت وبدأت تنحسر من 200 مليون إلى 89 مليونا.. والمحطات الزائدة أغلقت.. وتم الاستغناء عن الكثير من الأجانب، وارتفعت البحرنة بها من 40% إلى 60% وإن كانت قد استغنت عن أعداد من البحرينيين، فقد وظفت الكثير من الكفاءات البحرينية.. وأصبح أسطول طائراتها في وضعية مقبولة.. ولكن لا بد من تسوية ديونها.. ونطالب بابكو بالتنازل عن ديون طيران الخليج.. والذين تم الاستغناء عنهم حصلوا على تقاعد مبكر مجزي وفرحوا به كثيرا.
ثم قال: وقبل كل ذلك لا ننسى أن الشركة توظف آلاف البحرينيين ومن بينهم 3700 في وظائف كبيرة.. يعني آلاف العائلات يمثلون ركنا كبيرا في الاقتصاد البحريني.
وقال: وهذا الوزير - كمال بن أحمد- قابل للتعويل عليه، وتعلق الآمال به.. ولو سألنا أي مواطن مهما كانت درجة وعيه سينصحنا بالإبقاء على طيران الخليج.. ولا بد لطيران الخليج أن تبقى.. ولا بد لنا أن نوافق على هذا المرسوم.
وقال الوزير الفاضل: الشركة توظف آلاف البحرينيين وكانت على وشك الافلاس.. وكان لا بد من إجراءات سريعة من أجل البحرين كلها.. وبقيت وقفة أخرى مع مجلس الشورى.. وربنا يستر.