تدريب للزينة!!
تدريب للزينة!!
في الباب الثالث من تقرير ديوان الخدمة المدنية عن عام 2013 ميلادية وعنوانه «الأداء» جاء ما يلي: «كانت حصيلة الزيارات الرقابية الميدانية التي يقوم بها الديوان على الوزارات هي: رصد (116) مخالفة إدارية.. وكان أبرزها يتعلق ببرامج التدريب والابتعاث من الجهات الحكومية.. حيث لوحظ عدم وجود خطة تدريبية واضحة لبرامج التدريب في بعض الوزارات, وعدم حصول جميع الموظفين على الحد الأدنى للساعات التدريبية, بالإضافة إلى رصد مخالفات متعلقة بلجان التظلمات وتطبيق نظام الجودة». ما يهمنا هنا هو القول بعدم وجود خطط تدريبية في معظم الجهات الحكومية, وعدم حصول جميع الموظفين على الحد الأدنى للساعات التدريبية الواجبة. أولا: أود القول إنني من المتابعين لتقارير ديوان الخدمة المدنية السنوية وغير السنوية.. وعلى رأس ملاحظاتي في هذا المقام أنه - على مدى سنوات من متابعاتي لهذه التقارير - فإن هذا الذي جاء بالتقرير السنوي الأخير للديوان قد تكرر عبر معظم السنوات السابقة كلها وفي جميع التقارير السابقة. فما هو السبب؟ السبب هو أنه إذا كانت الوزارات لا تضع خططا تدريبية لموظفيها, وإذا كان الموظف لا يهتم بمسألة التدريب ولم يعرها بالاً.. فالسبب هو أن التدريب في الحكومة غير ذي قيمة ملموسة.. وغير ذي نتيجة متوقعة بالنسبة إلى الموظف على الأقل. يلاحظ في جميع الوزارات أنه لا يترتب على اجتياز الدورات التدريبية أي نتيجة مفيدة يجنيها الموظف, أو أي ثمرة يقطفها.. بمعنى أن الموظف الذي يجتاز الدورة التدريبية بامتياز في الأعم الأغلب لا يترتب عليها بالنسبة إليه تحسين وضعه الوظيفي.. فلا علاوة استثنائية ولا ترقية ولا نقله إلى وظيفة أفضل.. هذا فضلا عن أنه في معظم الأحوال الموظف الذي تجاوب مع التدريب وانخرط في دوراته واجتازها بامتياز أو أقل يفاجأ دائما بأن الذي نال الترقية موظف آخر لم يتدرب ولم يستجب لنداءات التدريب.. وقد يكون أقل كفاءة ومدة خدمة من الموظف الذي بذل جهودا مضنية في الدورات التدريبية «والتعب على نفسه». وقد يرد عليّ أي شخص من الديوان أو من خارجه بأنه لا يشترط أن يترتب على التدريب علاوات أو ترقيات استثنائية أو حوافز سخية.. فالصحيح هو أن يكون هناك «تدريب من أجل التدريب».. وقد شرع التدريب لتجويد العمل وزيادة الإنتاج.. وأنا أرد بدوري بأن هذه شعارات باهتة لا تغني ولا تسمن من جوع.. ذلك أنه في هذا العصر الذي نعيشه فإن الموظف يعمل ألف حساب للحافز المادي لأنه يريد أن يعيش.. وحتى لو كانت هذه الشعارات صحيحة فإنه لا يجوز أن يكون هناك موظف يتعب ويشقى وآخر «يلهف» الثمرة! هناك من موظفي الدولة من يشكو قائلا: إن الموظف الذي يسعى إلى تحسين وضعه وزيادة مهاراته وكفاءاته وتحصيله العلمي من خلال السفر إلى الخارج كي يحصل على درجات علمية أعلى في مجال تخصصه العلمي والعملي.. فإنه عندما يعود إلى وظيفته يفاجأ بأنه قد لا يلتفت إليه أحد بالمرة.. وقد ينحّى جانبا في زاوية الإهمال والنسيان! هذا من ناحية: أما من الناحية الأخرى فإن التدريب الداخلي - أي داخل المملكة - لم يعد ذا جدوى.. مجرد تدوير لرصيد الخبرات المتراكم على أرض الوطن.. هذا الرصيد الذي لا يعلو ولا ينمو وقد يتجمد وتنفد صلاحياته في زمن يجري سريعا في طريق التقدم والتطور العالمي.. ثم من يدرب من؟.. إن فاقد الشيء لا يعطيه.. فإذا كانت هناك نسبة رضا للموظف الذي يختار في دورة تدريبية.. فذلك لأنه قد يتحرك من فوق كرسي الوظيفة بعض الوقت وقد يخرج إلى مكان آخر.. يتنفس من خلاله الصعداء ويشم هواء مغايراً.. ويُعطى بعضا من حرية الحركة.. وما عدا ذلك فلا فائدة بالمرة! لقد حضرت بعض الدورات وورش التدريب الحكومية لمجرد الفضول ومعرفة ما يجري.. والحق يجب أن يقال.. لقد وجدت موظفين مستواهم أعلى, ومعلوماتهم الوظيفية والحياتية أكبر مما لدى المدرب نفسه.. وأن ما نسمعه هو ما سبق أن سمعناه!! الموظف الذي يستفيد من التدريب حقيقة هو الذي يتلقاه في الخارج, وفي معاهد ومراكز التدريب العالمية, والجامعات المرموقة.. لكننا للأسف نختزل المشكلة كلها في نفقات واعتمادات التدريب.. وترديد عبارات فجّة وفارغة، منها أن ما ننفقه في الخارج من الأفضل أن ننفقه في الداخل.. ثم إن رصد اعتمادات مالية للتدريب في الميزانيات العامة هو آخر شيء يمكن أن نفكر أو نجود به. وأخيرا.. أقول كلاما قد يكون قاسيا.. ولكنه يعبر عن الحقيقة.. وهو أن التدريب الذي تتحدث عنه وزارات الدولة هو «التدريب للزينة» ذلك لأنه التدريب الذي لا يفيد.. ولا يغني ولا يسمن من جوع! لذلك كله نجد أن ديوان الخدمة المدنية دائب البحث عن أدوات أخرى لحفز الموظفين وزيادة إنتاجيتهم, وضمان انضباطهم في الأداء في الحضور والانصراف, وفي تقديم الخدمات إلى المواطنين من خلال مرافق الخدمات الحكومية.. وقد كشف تقرير الديوان نفسه عن عام 2013م.. وفي الباب الثالث نفسه من التقرير أن الديوان قد وافق على تمرير 7822 حافزا وظيفيا للموظفين المجدّين, منها 3817 علاوة تشجيعية, و4005 مكافآت تشجيعية. وهذه أيضا قضية أخرى قد نعود إليها بمزيد من البحث والتحليل.