في عام 1886، خرج آلاف العمال في مدينة شيكاغو الأمريكيةمطالبين بحق بسيط: أن يُختصر يوم العمل إلى ثماني ساعات فقط. لم تكن المطالبةزيادة في الأجور، ولا امتيازات، بل مطلباً إنسانياً بحتاً يضمن للعامل وقتاً للراحة والحياة.
ومن تلك اللحظة، وُلد يوم العمال العالمي في الأول من مايو،تكريماً لجهودهم وتضحياتهم.
ومع مرور أكثر من 130 عاماً، من الجدير أن نتساءل: هل ما زلنانعيش إنجاز تلك الثورة؟ أم أننا، في واقع الأمر، بحاجة إلى ثورة جديدة؟
زمن تغيّر، وسرعة الحياة وتسارع متطلباتها تغيّرت جذرياً، لكن المفارقة أن نظام العمل لم يتغير كثيراً، لا تزال ساعات العمل الرسمية كما هي، لاتزال ثقافة “الحضور والانصراف” هي معيار الالتزام، ولا يزال كثير من المؤسسات تتعامل مع الموظف وكأنه بطاقة وقت، لا إنسان.
الجيل الجديد لا يبحث عن التسيّب أو الكسل، بل يبحث عن قيمةمختلفة تماماً: الوقت، نعم، الوقت أصبح بالنسبة للكثيرين أغلى من المال، والمرونةباتت أكثر جذباً من الحوافز، لكن المؤسسات – للأسف – لا تزال تركّز على السيطرة،لا على الثقة، وتظن أن الإنتاج مرتبط بالبقاء في المكتب، لا بجودة الإنجاز.
إن الحديث المتكرر عن "التوازن بين الحياة والعمل"أصبح مبتذلاً، ما دامت الحلول المطروحة لا تتعدى ورشة يوغا، أو جلسة تنفس جماعي،بينما الجذر الحقيقي للمشكلة ما زال قائماً: نظام العمل ذاته يحتاج إعادة نظر.
ولا يمكن أن نغفل الدور المضاعف للمرأة العاملة، التي تعيش تحتعبء مسؤوليات متشابكة، بين بيت، أطفال، حياة اجتماعية، وعمل لا يرحم، هي لا تطلب استثناء، بل تطلب مرونة حقيقية، تسمح لها بتنظيم وقتها بطريقة لا تضر العمل، ولاتنسف حياتها. وقد رأينا في تجربة العمل عن بُعد أثناء جائحة كوفيد خير دليل، حيثأثبتت التجربة أن العمل لا يحتاج مكتباً ... بل يحتاج إدارة مرنة وعقل منفتح.
نحن لا نعيش أزمة نظام، بقدر ما نعيش أزمة إدارة، ولن تتغير النتائج، ما دام الفكر الإداري لا يزال يربط الالتزام بالبقاء في المكتب، ويشكك في من يطالب بالمرونة، ويقيّم الموظف بعدد ساعاته لا أثر إنجازه.
هل نحتاج إلى ثورة عمال ثانية؟
ربما نعم…
لكنها ليست ثورة في الشوارع، بل ثورة في المفاهيم.
ثورة تضع الإنسان أولاً، وتعيد تعريف العمل لا كواجب، بل كجزءمن الحياة… وليس الحياة كلها.