الحوار الدائر.. نرجو أن يتواصل حضاريا
الحوار الدائر.. نرجو أن يتواصل حضاريا
رغم أن مجلس الشورى قد رفض «بالثلث» مشروع زيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 7%.. وهو المشروع الذي نبع من مجلس النواب وتم إقراره منه قبل إحالته الأخيرة إلى مجلس الشورى.. فإن الحقيقة أن مجلس الشورى لم يرفض مشروع الزيادة «بالثلث» فقط.. إلا أنه -كما نشر- قد رفضه باللاءات الأربع.. لأنّ الحقيقة هي أن هذا المشروع هو عبارة عن عدد من المشاريع بقوانين: مشروع بقانون خاص بالمتقاعدين من العاملين السابقين بالحكومة، ومشروع قانون خاص بالعاملين السابقين بالقطاع الخاص، ومشروع قانون خاص بالعسكريين ورجال الأمن.. ولست أعرف الرابع عن ماذا.. وقد يكون هناك مشروع لرجال قوة الدفاع وآخر لرجال الأمن.. وبصراحة لست أعرف: لماذا «4 لاءات»؟!! المهم الآن ستعود مشاريع القوانين بالزيادة 7% المرفوضة من مجلس الشورى إلى مجلس النواب الموافق والمؤيد «بالثلث» لهذه المشاريع.. وليس هناك سوى خيارين أمام مجلس «النواب»: الأول هو أن يصر على قراره وعلى رأيه وعلى موقفه.. وهذا يعني إحالة هذه المشاريع إلى المجلس الوطني فهو الذي يسدل الستار على هذا الخلاف بالموافقة أو الرفض.
الخيار الثاني: هو أن يوافق مجلس النواب على ما انتهى إليه رأي وقرار مجلس الشورى وينتهي الأمر ويريحون ويستريحون لأنّ إعادته إلى مجلس الشورى من جديد إجراء شكلي هذه المرة وعبث بأعصاب المتقاعدين.
ولكن هناك خيار رابع.. ألا وهو أن تنقذ الحكومة الموقف.. وتبادر إلى إبلاغ السلطة التشريعية أن لديها شيئا ما لإنصاف المتقاعدين.. وهم – أي المتقاعدون- في أمس الحاجة إلى هذا الإنصاف.
والحقيقة أنه رغم هذا الرفض القاطع والبات من قبل مجلس الشورى لهذا المشروع.. فإن مجلس الشورى لا يخلو من الرحماء: لذا رغم هذا الرفض البات فقد انقسم أعضاء وعضوات الشورى على أنفسهم: رافضون ومؤيدون.. ولكن شوكة الرافضين كانت أشد.. وقاعدتهم أوسع.. إضافة إلى أنه كان بينهم رئيس المجلس السيد علي بن صالح الصالح ونائبه الأول الأستاذ جمال فخرو الذي حسبها من خلال الواقع وبالأرقام.
وقد بنى الرافضون رفضهم على أساس أن هذا المشروع كان قد أعده مجلس النواب في عام 2007 ثم وضعته الحكومة في صورة مشروع قانون ينص على منح جميع المتقاعدين زيادة 7% من دون المساس بالزيادة السنوية الـ 3%.. وأنه منذ عام 2007 حتى الآن حصل المتقاعدون على أكثر من زيادة وأكثر من إنصاف تضاعف في مجموعها الزيادة المطلوبة أكثر من مرة.. ومعنى ذلك أن مشروع الزيادة قد عرف الرافضون غرضه أو هدفه.. ثم ألزموا أنفسهم برفضه.
هذا من ناحية.. أما من الناحية الأخرى.. فقد أضاف بعض الرافضين لمشروع الزيادة أسبابا أخرى مؤداها أن الأوضاع الصعبة التي تمر بها البحرين مع كل الدول النفطية، إضافة إلى العجز الكبير في الميزانية، وارتفاع حجم الدين العام.. كلها أسباب -كما قالوا- تبرر الرفض وتحتمه.
كل ذلك بينما المؤيدون لهذه المشاريع الداعون إلى منح زيادات للمتقاعدين، ومن بينهم الشوريان الكريمان الشيخ عادل المعاودة والسيد أحمد بهزاد وآخرون قالوا كلمتهم ورزقهم على الله.. والحقيقة لقد قالوها قوية ومنطقية تصدح بالحق والإنسانية.. ولكن ماذا نفعل.. وهذه هي الديمقراطية.. فقد كان عدد المصوتين بالرفض أكبر.
وقالها المؤيدون بما يقطر موقفهم من رحمة وإنسانية: ألا يستحق المتقاعدون وهم يصارعون أخطبوط ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة أي زيادة تنقذهم مما هم فيه من معاناة كبيرة؟.. وقالوها أيضا مذكرين أن «بعبع» العجز الاكتواري لا يزال يجسد السلاح الأشهر لإشهاره في وجه مطالب المتقاعدين.. هذا «البعبع» الذي لا يعيش إلا في خيال الخبير الاكتواري والقائمين على الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، والرافضين للإنصاف.. ثم قالوا: منذ سنين طويلة ونحن نسمع عن هذا «البعبع» وعن إفلاس وشيك للصناديق من دون أن يحدث أي شيء مما يهددون به.. بل على العكس نجد أن الوضع المالي للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية يقوى.. والاحتياطي العام لها يتزايد ويحوم الآن حول أربعة مليارات دينار.. إن لم يكن يزيد كما أكّد النواب في مرافعاتهم حول هذه المشاريع المطالبة بالزيادة.. ولم يكذبه ممثلو الهيئة الذين كانوا موجودين بالجلسة «وإن كان النائب قراطة قد قال: خمسة مليارات».. ثم قالوا: إذا كان هناك لوم فيجب أن يوجه إلى المتذرعين بحرج الموقف المالي للهيئة، ويجب أن يوجه إلى القائمين على الاستثمارات في الهيئة.. حيث يجيء نتاج هذه الاستثمارات باستمرار على عكس ما يرتجى تحقيقه.
وكلمة إنصاف تحتم علي ألا أتردد في الإتيان بها في هذا السياق.. ألا وهي ما قاله رئيس المجلس رغم أنه يحسب على الرافضين لهذا المشروع بالضرورة.. قال الصالح: «إذا كنا حريصين على زيادة المتقاعدين فلماذا لم تطرح هذه الزيادة عند مناقشة مشروع الميزانية العامة للدولة.. وعند مناقشة برنامج عمل الحكومة؟».. قال ذلك ثم أضاف: إن هذه الشريحة - يقصد المتقاعدين- عزيزة علينا، ولكن، كما قال: «العين بصيرة واليد قصيرة».. وإن كان معاليه هو الذي قال أيضا: «إن العجز الاكتواري لدى صناديق الهيئة قد فاق 200% وهو الذي يجب أن ننظر إليه كمسؤولين ومواطنين».
وكلمة أخيرة: يحتم علي الموقف البوح بها ألا وهي أن المناقشات حول هذا الموضوع في مجلس الشورى لهذه القضية الشائكة قد جرى في جو من الالتزام بآداب الحوار ومقتضيات الزمالة والأخوة.. فلم تنزلق الألسنة بحرف واحد يمكن أن يسيء لا من بعيد ولا من قريب للأشقاء المبجلين في الغرفة المجاورة بالبيت التشريعي الواحد.
وأتمنى أن يكمل الحوار مشواره، ويأخذ حقه بنفس هذا النهج الحضاري القويم.. وأن نظل نختلف في جو حضاري من دون أن نسمح للاختلاف في الآراء والقناعات والمنطلقات أن يفسد للود قضية.. وأن يظل برلمان البحرين - كما هو حتى الآن- مضرب الأمثال، والنموذج الذي يحتذي به الجميع.. والله معهم.
http://www.akhbar-alkhaleej.